وزارة العدل اقترحت تعيين القضاة المعينين حديثا قضاة للنيابة العامة
وافق المجلس الحكومي المنعقد أخيرا على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي الجديد للقضاة الذي من المنتظر أن يعرض قريبا على البرلمان لمناقشته والمصادقة عليه، وهو المشروع الذي خضع لعدة تعديلات بعد أشهر من الأخذ والرد بين وزارة العدل والحريات باعتبارها الجهة الوصية على إعداد المشروع ومكونات واسعة تنتمي لمنظومة العدالة وعلى رأسها الجمعيات المهنية القضائية والهيآت الحقوقية المهتمة.
المشروع الجديد يتكون من 108 مواد، متوزعة وفق التقسيم التالي:
- باب تمهيدي: أحكام عامة؛
- القسم الأول: تأليف السلك القضائي؛
-القسم الثاني: حقوق وواجبات القضاة؛
- القسم الثالث: الوضعيات النظامية للقضاة؛
- القسم الرابع: نظام التأديب؛
- القسم الخامس: الانقطاع النهائي عن العمل؛
- القسم السادس: أحكام انتقالية ومختلفة.
ومن بين أهم المقتضيات التي حملها المشروع الجديد تلك المتعلقة بالولوج إلى سلك القضاء. فرغم أن مشروع النظام الأساسي الجديد كرس مبدأ وحدة القضاء، إذ أن السلك القضائي بالمغرب يؤلف هيأة واحدة تشمل قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة، إلا أنه يلاحظ عليه أنه تراجع عن تبني مبدأ خضوع جميع المترشحين لولوج القضاء لمبدأ التباري، وهو المقترح الذي قدمه المجلس الوطني لحقوق الإنسان عملا بأفضل التجارب الدولية المعمول بها في الميدان، وقد تم تبنيه في مسودة دجنبر 2013، قبل أن يتراجع عليها مشروع النظام الأساسي الجديد الذي سمح بإمكانية التعيين المباشر في سلك القضاء فقط بالنسبة لأساتذة التعليم العالي الذين مارسوا التدريس الجامعي في كليات الحقوق لمدة لا تقل عن 10 سنوات، إلى جانب المحامين الذين مارسوا مهنة المحاماة لنفس المدة وقد أضاف المشروع الجديد بالنسبة إلى هذه الفئة شرط التوفر على شهادة الدكتوراه.
وإذا كانت المسودة السابقة قد تطرقت وبتفصيل وتدقيق لشروط مباراة ولوج القضاء، وهو ما أثار اعتراض فئات عديدة بخصوص مقتضيين؛ الأول يتعلق باشتراط التوفر على شهادة الماستر، وهو شرط اعتبر من طرف عدة فاعلين شرطا إقصائيا، أما المقتضى الثاني فيتعلق بإمكانية فتح هذه المباراة أمام تخصصات جديدة إلى جانب التخصصات التقليدية (القانون والشريعة) وهو ما أثار عدة تحفظات بالنظر إلى طبيعة المادة القضائية التي تتطلب تكوينا قانونيا خاصا. فإنه في المقابل يلاحظ أن مشروع النظام الأساسي الجديد وتجنبا لهذه الانتقادات فضل السكوت عن هذه المقتضيات، إذ تم حذف بابين كاملين منه وهو الباب المتعلق بالقضاة المتمرنين، والباب المتعلق بفئات المهنيين والموظفين الذين يمكنهم ولوج القضاء وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول شروط المشاركة في مباراة القضاة المتمرنين؟ هل تراجع المشروع عن اشتراط الماستر لولوج هذه المباراة؟ هل تم التراجع عن مقترح المجلس الوطني لحقوق الإنسان بإخضاع المترشحين للمباراة لاختبار نفسي (الاختبارات البسيكوتقنية)؟ هل تم حذف إمكانية الولوج للقضاء بالنسبة إلى العدول والموثقين والمفوضين القضائيين وموظفي سائر الإدارات والمؤسسات العمومية، وهو المقترح الذي سبق تضمينه في المادة 28 من مسودة المشروع في صيغته المعدلة بتاريخ 25 ديسمبر 2013 قبل أن يسكت عنه المشروع الجديد؟.
من جهة أخرى، إذا كانت مطالب الجمعيات المهنية القضائية وعدة فعاليات حقوقية انصبت على ضرورة تغيير التسمية الحالية للملحق القضائي من خلال اقتراح تسمية جديدة من قبيل القاضي المتدرب، وهو مقترح المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي قدمه بهدف ترجمة أوضح لفكرة وحدة الجسم القضائي والوضع الدستوري الجديد للسلطة القضائية، أو القاضي المتمرن وهو مقترح نادي قضاة المغرب المعبر عنه في توصيات أولى دورات مجلسه الوطني في نونبر 2011، وهو المقترح ذاته الذي تم تبنيه في مسودة مشروع النظام الأساسي للقضاة في صيغة ديسمبر 2013، إلا أنه يلاحظ أن المشروع الجديد تراجع عن هذا المقترح وعاد ليستعمل تسمية الملحق القضائي، رغم كل الانتقادات الموجهة لهذه التسمية.ذ
ومن بين الملاحظات التي يمكن تقديمها أيضا أن المشروع الجديد عدل جزئيا من المقتضى الذي تضمنته المسودة السابقة منه والمتعلق بتعيين كل القضاة الجدد المتخرجين من المعهد العالي للقضاء قضاة للنيابة العامة لمدة سنتين، إذ أصبحت الصياغة الجديدة للمادة 8 من مشروع النظام الأساسي للقضاة تنص على أنه: «يعين المجلس الأعلى للسلطة القضائية الملحقين القضائيين المذكورين في المادة 7 أعلاه، نوابا لوكيل الملك لدى محاكم أول درجة، ويرتبون في الرتبة الأولى من الدرجة الثالثة، ويعين قضاة الأحكام من بين هؤلاء النواب بعد قضاء سنتين على الأقل.
غير أنه يمكن، من أجل سد الخصاص، تعيين الملحقين القضائيين المذكورين مباشرة قضاة للأحكام..»
ويلاحظ بخصوص هذه المادة أنها تضمنت مقتضيين أساسيين : الأول عبارة عن قاعدة مفادها تعيين كل القضاة الجدد (الملحقين القضائيين الذين اجتازوا بنجاح امتحان نهاية التدريب) قضاة للنيابة العامة لمدة سنتين على الأقل !
والمقتضى الثاني استثناء على القاعدة المذكورة أعلاه يسمح بتعيين بعض القضاة الجدد مباشرة قضاة للأحكام.
وللتعليق على مضمون هذه المادة لا بد من وضعها في سياق عام بمقارنتها بالمقترحات التي سبق أن وضعتها وزارة العدل والحريات في مسودات سابقة لمشروع النظام الأساسي للقضاة خاصة مسودة أكتوبر 2013 والتي اقترحت تعيين القضاة الجدد قضاة نوابا على سبيل التجريب لمدة ثلاث سنوات ومنح المسؤول القضائي في محكمة التعيين سلطة البت في مدى صلاحياتهم لممارسة القضاء أو وضع حد لمهامهم، وهو المقترح الذي اعتبر خرقا صريحا لأبسط شروط استقلال القضاة التي تقتضي إقرار مبدأ ثبات المنصب القضائي. وإذا كان مقترح «القاضي النائب» الذي قدمته وزارة العدل والحريات في توقيت سابق قد لقي رفضا من طرف كل الجمعيات المهنية القضائية والحقوقية (انظر على سبيل المثال مذكرة نادي قضاة المغرب، ومذكرة النسيج المدني..)، فإن الوزارة تراجعت عنه واقترحت في مشروع النظام الأساسي الجديد تعيين القضاة المعينين حديثا قضاة للنيابة العامة، وهو ما يطرح عدة علامات استفهام حول الدواعي الحقيقية وراء هذا المقترح، فهل قضاء النيابة العامة أقل أهمية وخطورة من القضاء الجالس؟ هل تأكدت وزارة العدل والحريات من خلال التقارير التي ترفع لها من طرف الإدارة القضائية وجود خروقات شابت قيام القضاة المعينين حديثا في قضاء الحكم بمهامهم، وهو ما استدعى تقديم هذا المقترح لتعيينهم في قضاء النيابة العامة؟ لماذا لم يتم التنصيص على تعيين القضاة الجدد قضاة للحكم على الأقل من أجل تحفيزهم على الاستقلال برأيهم، سيما أن السياق الدستوري الجديد يصب في اتجاه تكريس استقلال القضاة ومنع تلقيهم أوامر أو تعليمات أو خضوعهم لأي ضغط بشأن مهامهم القضائية، وإلزامهم بإبلاغ المجلس الأعلى للسلطة القضائية بأي حالة لتهديد استقلاليتهم، واعتبار إخلال القضاة بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما. ومن ثم كان حريا بالمشروع أن يسهم في تربية القضاة المعينين حديثا على الاستقلال كخيار استراتيجي للقضاء المغربي في ظل مشروع الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة !
ألا يعتبر مقترح تعيين كل القضاة الجدد في النيابة العامة تشجيعا على سياسة تلقي التعليمات في إطار السلطة الرئاسية التي تميز القضاء الواقف؟ هل ينبغي تدريب القضاة الجدد على الاستقلالية في اتخاذ القرار القضائي أم على التبعية والخضوع في تلقي التعليمات الشفوية والكتابية ؟
ثم ما هي المعايير المعتمدة للتمييز بين القاعدة والاستثناء الذي أوردته المادة 8؟ فهل سيتم تعيين القضاة الجدد الحاصلين على الرتب الأولى في اختبارات نهاية التمرين مثلا قضاة للحكم لسد أي خصاص موجود، وتعيين الباقي قضاة للنيابة العامة؟ ألا يؤدي هذا النوع من المفاضلة بين المجموعتين للإساءة لجهاز النيابة العامة الذي تحول في الآونة الأخيرة إلى فضاء للتأديب! في الوقت الذي كان يفترض فيه الارتقاء به بعدما تم إقرار استقلاليته عن السلطة التنفيذية وإلغاء تبعيته لوزارة العدل..؟
إن ما يدفع لطرح هذه التساؤلات المتشائمة أحيانا هو استحضار السياق العام الذي قدم فيه هذا المقترح كبديل لمقترح القاضي النائب الذي ينم عن وجود إرادة حقيقية في تكريس منفذ جديد من منافذ محاولات التأثير غير المشروع الذي قد يطال القضاة المعينين حديثا. وما يزكي هذا القلق الذي نبديه هو عدم التنصيص على أي معايير موضوعية تكفل تطبيق المادة 8 من المشروع بشكل يحقق مساواة جميع القضاة الجدد في تدبير وضعيتهم الفردية فمسألة تقدير مدى وجود خصاص مسجل على مستوى قضاة الحكم، وطريقة سد هذا الخصاص تركت مفتوحة دون أدنى معايير واضحة وشفافة وموضوعية.
وأخيرا كان لافتا حذف المقتضيات المتعلقة بمعايير وشروط الولوج إلى السلك القضائي التي كانت واردة في المذكرة التقديمية للمشروع الجديد في صيغته السابقة، رغم أهمية هذه المقتضيات التي يمكن أن تعطي إشارات واضحة لطبيعة السلطة القضائية المراد التأسيس لها.
بقلـم: أنس سعدون *
* باحث في صف الدكتوراه بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة
عضو المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية
وعضو نادي قضاة المغرب