مضت 16 سنة هجرية على وفاة الملك الراحل الحسن الثاني، ليعتلي بعده الملك محمد السادس عرش المملكة، سنوات شهد خلالها المغرب تطورا ملحوظا على المستوى الإقتصادي، وتحولات ديمقراطية وسياسية، وصفت ب "الرائدة في المنطقة"، في الوقت الذي مازالت تتعالى فيه مجموعة من الأصوات بمزيد من الإصلاحات الدستورية والسياسية و الإقتصادية.
على المستوى السياسي:
هناك تقييمات عديدة لفترة حكم الحسن الثاني، على غرار التقييم الذي قدمته فاطمة المريني، التي اعتبرت أهم إنجازات الحسن الثاني متمثلا في تمكين الأسر الفقيرة من الارتقاء إجتماعيا عن طريق "المنح الجامعية" في التعليم العالي، فشكل ذلك ثورة اجتماعية وعلمية وثقافية في المغرب.
وينضاف إلى ذلك عناية الملك الراحل بالماء عن طريق سياسة السدود، وهو ما انتبهت له لاحقا الجزائر، إضافة إلى إنجاز المسيرة الخضراء التي شكلت مناسبة لإعادة تشكيل الوحدة الوطنية ومن خلالها إستطاع الحسن الثاني استرجاع الشرعية الشعبية.
وحسب محمد بوستة، فأهم إنجاز حققه الحسن الثاني يتمثل في منع الحرب بين المغرب والجزائر، في الوقت الذي كانت فيه الجزائر تطالب فيه الأحزاب بمهاجمة الجزائر التي هاجمت المغرب في حرب الرمال، لكن الحسن الثاني رفض ذلك، وهو ما فوت على الشعبين المغربي والجزائري الدخول في حرب لا تعرف نتائجها.
أما تقييم الحسن الثاني لنفسه، حسب ما رواه الباحث عبد الصمد بلكبير ل "الأيام 24" فيتمثل في 3 منجزات، أولها أن الملك الراحل إستطاع ضبط النمو الديموغرافي، وجنب المغرب من إنفجار ديموغرافي كبير، إضافة إلى تحقيقه لتوازن بين القرية والمدينة، و نجاح سياسته التي كانت تهدف إلى محاربة المدن الغيلان (جمع غول)، فقام بتطويق مدن الدار البيضاء والرباط ومراكش بالغابات والقرى، للحيلولة دون توسعها.
فرغم الإصلاحات التي قامت بها مملكة محمد السادس ما بعد سنة 1999، إلا أنها تبقى غير كافية، فحسب عبد الصمد بلكبير، فلو بقي الحسن الثاني حيا لذهب أبعد من ذلك، خاصة على المستوى الدستوري أو حقوق الإنسان و الانتخابات.
على المستوى الاقتصادي:
لا أحد ينكر أن الوضعية الاقتصادية في عهد الملك الحالي محمد السادس عرفت مجموعة من التحسنات مقارنة بفترة ما قبل 1999، فقد عرف مجال الحكامة الاقتصادية والإدارية والمالية طفرة نوعية، كانت مبنية على رؤية استراتيجية وإرادة ملكية.
ورغم أن تنزيل هذه الرؤية يشكو من ضعف على مستوى التخطيط العملياتي والتعثر المؤسساتي، وقلة الأثر الملموس على حياة المواطن، إلا أنه رغم كل ذلك لا يمكن مقارنتها بعهد الملك الحسن الثاني، حيث كان إقتصاد المملكة غير مهيكل وبدون تصور واضح.
فعلى عكس عهد الملك الراحل الحسن الثاني، اتسم الاقتصاد المغربي الحالي بالقوة والزخم الرمزي المتجه نحو الإصلاح الإقتصادي، إنطلاقا من مبادئ ومعايير عصرية قوامها المفهوم الجديد للسلطة والرقابة والمحاسبة، وحكم القانون طبقا للمعايير المتعارف عليها دوليا.
على المستوى الحقوقي:
بالنسبة لأحمد الهايج، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فالمغرب في عهد الملك الحالي محمد السادس خطى خطوات كبيرة إلى الأمام، على المستوى الحقوقي والدستوري أيضا.
فمند وفاة الحسن الثاني، حدثت مجموعة من المتغيرات في مجال حقوق الإنسان، بعدما دخل المغرب تجربة "العدالة الانتقالية" ثم أطلق لاحقا تجربة "الانصاف والمصالحة"، واعترف على المستوى الرسمي بالانتهاكات التي حدثت في عهد سنوات الرصاص.
ذات المتحدث، في حديثه ل "الأيام 24" أقر أنه في سنة 2011، حدثت مجموعة من التغييرات على المستوى الدستوري والمؤسساتي، مؤكدا أنه "مهما كانت الانتقادات فدستور محمد السادس كان متقدما بالمقارنة مع دساتير الحسن الثاني".
وأضاف الهايج أنه بعد وفاة الحسن الثاني حدثت تغييرات كبيرة على مستوى المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان، الذي تم تحويله إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وتمت دسترته، كما تم تحويل ديوان المظالم إلى مؤسسة "الوسيط"، كما قامت مملكة محمد السادس باستقبال عدد من ممثلي حقوق الإنسان على أراضيها.
لكن، ورغم كل هذه المنجزات، يقول الهايج، فمازالت مملكة محمد السادس مستمرة في ممارسة نفس السلوكات التي أدت بالمغرب إلى التورط في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، كما لم تقم بتغييرات جوهرية من أجل إصلاح ما أفسدته سياسات ما قبل 1999.
على المستوى الثقافي والعلمي:
يؤكد الباحث عبد الصمد بلكبير في حديثه ل "الأيام 24" أنه رغم القمع الذي مارسه الحسن الثاني ضد الأحزاب والنقابات بغرض إضعافها، إلا أن ذلك لم يمتد إلى مؤسسات المجتمع المدني، فبقي الهامش الديمقراطي واسعا في مجال الثقافة والمسرح والفن بشكل عام، ولم تقترب الأجهزة قط من إتحاد كتاب المغرب أو تمنع المحاضرات و اللقاءات الثقافية، مما خلق حركية ثقافية نفتقدها اليوم.
كما عمد الحسن الثاني إلى احترام استقلالية الجامعة، حيث لم يسعى في يوم من الأيام إلى وضع عمداء "تافهين" على رأس الجامعات المغربية، وهو ما سمح بظهور عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري وأخرون.. الشيء الذي لم يكن في دول مماثلة للمغرب، التي همشت الجامعة والمفكرين.
كما احتفظ الحسن الثاني على الشخصية الوطنية للمملكة، من خلال الاعتناء بالمعمار والفن التشكيلي والصناعة التقليدية، عكس مجموعة من الدول المجاورة التي فقدت هويتها.
و يبقى ما هو سلبي في مملكة محمد السادس مقارنة بمملكة الحسن الثاني، ما هو متعلق بالشق الثقافي، الذي يعيش اليوم وضعية سيئة، من خلال التهميش الذي تعرفه اليوم الجامعة المغربية، والذي أثر بشكل أو بآخر على مجال إنتاج المعرفة وتوزيعها.
ويؤكد الخبير عبد الصمد بلكبير أن الحقل الثقافي وقعت فيه فوضى في عهد محمد السادس وتم تمييعه، مشيرا أن "إستراتيجية الحسن الثاني في مجال الثقافة كانت متقدمة جدا ولا مجال لمقارنتها بالفترة الحالية".
وتبقى نقطة الضعف، حسب ذات المتحدث، لفترة حكم محمد السادس، هي الثقافة وعلاقتها بالمثقفتين، ومن بين تجلياتها أن الملك الراحل الحسن الثاني كان يحيط به مجموعة من المثقفين على غرار عبد الهادي بوطالب وعباس الجيراري.. وهو ما لا نجده اليوم في مملكة محمد السادس.
حرية الصحافة:
يرى أغلب المهتمين بالمجال الإعلامي بالمغرب، أن هامش الحرية توسع بشكل كبير بعد وفاة الحسن الثاني، غير أن السنوات الأخيرة من حياة الملك الراحل شهدت بدورها بداية من سنة 1995 "بوادر انفتاح في الصحافة المكتوبة، وفي الإعلام السمعي البصري أيضا، من خلال القناة الثانية".
كما عرف قطاع الصحافة تطورا كبيرا على مستوى الإصدارات، وعلى مستوى التعدد، وعلى مستوى المواضيع أيضا، من خلال تناول مواضيع جديدة تهم بالأساس العائلة الملكية وأجهزة المخابرات والجيش، التي كانت من بين الطابوهات في عهد الملك الراحل.
غير أن المشهد الإعلامي في عهد محمد السادس، لم يتخلص بعد من بعض الرواسب رغم التعديلات، كما دخلت الإذاعات الخاصة في متاهات أبعد ما تكون عن متطلبات المرحلة، لم يكن الحسن الثاني ليسمح بها لو مازال على قيد الحياة.
على المستوى الديني:
حافظ الملك الحسن الثاني على درجة لابأس بها من التوازن بين "دين المجتمع" وبين تدخل الدولة في الدين، فترك توازنا على خلاف المرحلة الحالية التي دخلت فيها الدولة على الخط من خلال إعادة هيكلة الحقل الديني، بإشراف مباشر منها، وكان آخر مظاهرها القانون المنظم للقيمين الدينيين الذي عرضه مؤخرا وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق.