اعلان

اخر الاخبار

الثلاثاء، 24 مارس 2015

12:48 م

تكبير النص تصغير النص أعادة للحجم الطبيعي


                                                                                                                      بقلم عبد الله بوضاض                                                                                   
                                                      
   يعتبر عقد الرهن التجاري دون التخلي عن الحيازة، أحد نوعي الرهن التجاري بنص المادة 336 من مدونة التجارة [1]، ويتسم هذا النوع من الرهن بغياب عنصر انتقال الحيازة من يد المدين إلى يد الدائن المرتهن، مما يعني أن الآثار المترتبة عن الرهن التجاري دون التخلي عن الحيازة تختلف عن تلك المترتبة عن الرهن التجاري الحيازي التي تطرقنا إليها في المبحث السابق في مجموعة من النقط نشير إلى أهمها: 
- إن حق الحبس المخول للدائن المرتهن في عقد الرهن التجاري الحيازي كعنصر مترتب عن انتقال حيازة الشيء المرهون إليه، غير موجود في الرهن دون التخلي عن الحيازة.
- إلى جانب أن التزام الدائن المرتهن بالمحافظة على الشيء المرهون في عقد الرهن التجاري الحيازي يبقى قائما في عقد الرهن دون التخلي عن الحيازة، غير أن الملزم به هوالمدين الراهن.
كما أن مناقشة مدى قوة الحق العيني المخول للدائن المرتهن في عقد الرهن دون التخلي عن الحيازة، دفع أحد الباحثين إلى القول أن غياب عنصر الحيازة كضمانة قوية يركن إليها الدائن المرتهن لحماية حقه غير مؤثرة، ما دام المشرع المغربي أوجد مجموعة من الضمانات الأساسية في هذا الإطار [2]، تتوزع بين ما هومدني وجنائي، على النحوالآتي:
- اشتراط الكتابة لانعقاد الرهن التجاري دون التخلي عن الحيازة كضمانة لثبوت الحق العيني على المال المرهون.
- الاستعانة بقواعد جنائية بالإضافة إلى الجزاءات المدنية، في حماية حق الدائن المرتهن، فهي ظاهرة ملفتة في الرهن التجاري دون التخلي عن الحيازة كأحد العقود التجارية[3].
- اعتماد المشرع على نظام القيد والشهر كنوع من الحماية المقررة لحق الدائن المرتهن تجاه الأغيار.
الفقرة الأولى: آثار عقد رهن أدوات ومعدات التجهيز
يعد رهن أدوات ومعدات التجهيز الصورة الأولى للرهن التجاري دون التخلي عن الحيازة، وقد نظمه المشرع المغربي في المواد من 345 إلى 377 من مدونة التجارة، واستهل المشرع المغربي هذه المواد بذكر طبيعة هذا الرهن في المادة 355 بقوله:
ويتميز رهن أدوات ومعدات التجهيز بالخصائص الآتية:
- أن هذا الرهن يرد على المنقولات سواء كانت أدوات أومعدات للتجهيز المهنية جديدة كانت أومستعملة [4].
- أن الدائن المرتهن في هذا الرهن لا يمكن أن يخرج عن بائع هذه المعدات أوالمقرض للمال اللازم لشرائها [5].
- إلى جانب أن أحد الباحثين أشار إلى إمكانية إنشاء هذا النوع من الرهن على أدوات للاستغلال الفلاحي الزراعي أوالحرفي وحتى المهن الحرة كالمعدات اللازمة لتجهيز مكاتب المحامين وعيادات الأطباء [6].
وتجدر الإشارة في هذا المضمار إلى أن مقتضيات رهن أدوات ومعدات التجهيز لا تطبق على ما يلي:
-  السيارات [7].
-  السفن البحرية [8].
-  الطائرات [9].
هذا وبعد استقراء المواد المنظمة لرهن أدوات ومعدات التجهيز، وكذا الأبحاث والدراسات المنجزة في هذا الموضوع على قلتها، سنحاول البحث في الآثار المترتبة عن رهن أدوات ومعدات التجهيز من خلال نقطتين كالآتي:
أولا: التزامات المدين الراهن
إن المدين في رهن أدوات ومعدات التجهيز تقع عليه مجموعة من الالتزامات ترتبط أساسا بالشيء المرهون إذ أن بقاء حيازة أدوات ومعدات التجهيز تحت يده يرتب عليه التزامين أساسين هما كالآتي:
1- الالتزام بالحفاظ على الأدوات والمعدات
يشكل هذا الالتزام أهم النتائج المترتبة عن عدم تخلي المدين الراهن عن حيازة أدوات ومعدات التجهيز، إذا يجب جرد هذه الأخيرة وتمييزها عن تلك الأدوات الأخرى المجانسة لها والتي هي ملك للمدين، كما نصت على ذلك الفقرة الخامسة من المادة 356 من مدونة التجارة.
وعلى المدين الراهن أن يحافظ على الأدوات والمعدات وكل إخلال منه بهذا الالتزام يترتب عليه الجزاء المدني، إلى جانب الجزاء الجنائي الذي أوجده المشرع استثناء في عقد رهن أدوات ومعدات التجهيز، بحيث أن تصرف المدين في هذه المواد والمنتجات بشكل يلحق ضررا بالدائن المرتهن يعرض الأول للمسؤولية طبقا للفقرة الأولى من المادة 377 من مدونة التجارة[10] التي جاء فيها:
«يعاقب بالحبس لمدة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين وبغرامة يتراوح قدرها بين 2.000 و10.000 درهم كل مشتر أوحائز للأموال المرهونة طبقا لأحكام هذا الباب قام عمدا بإتلافها أوحاول إتلافها أوباختلاسها أوحاول اختلاسها أوبتغييرها أوحاول تغييرها بأي حال من الوجوه وقصد بذلك حرمان الدائن من التمتع بحقوقه».
ويترتب كذلك على هذه المادة أن أدوات ومعدات التجهيز لا يمكن بيعها إلا بموافقة الدائن المرتهن تحت طائلة الجزاء الجنائي [11].
2- الالتزام بإعلام الدائن المرتهن بتغيير مكان استغلال الأدوات
ومفاذ هذا الالتزام أن المدين بحكم بقاء حيازة أدوات ومعدات التجهيز تحت يده، عليه التزام مهم يتمثل في إعلام الدائن بتغير مكان استغلال هذه الأدوات، خصوصا أن من البيانات التي يتم الإشارة إليها في المحرر الذي أنشأ الرهن على هذه الأدوات، نذكر تعيين المكان الذي توضع فيه هذه الأدوات والمعدات بصفة ثابتة، أوقابليتها للانتقال[12].
ويترتب على عدم احترام المدين الراهن لمضمون هذا الالتزام آثار خطيرة على الغاية من الرهن ككل، إذ يحل بقوة القانون أجل الديون المقيدة إذا لم يقم المدين بإعلام الدائنين بنيته في نقل المعدات المرهونة المشار إلى صفتها الثابتة في محرر البيع أوالقرض المنشئ للرهن قبل خمسة عشر يوما على الأقل [13].
ثانيا: حقوق الدائن المرتهن
يتمتع الدائن المرتهن في عقد رهن أدوات ومعدات التجهيز بمجموعة من الحقوق، تترتب على الحق العيني المخول له بمقتضى هذا الرهن، وما يميز هذا الرهن إذا ما راعينا كونه أحد صور الرهن دون التخلي هوغياب حق الحبس المخول للدائن المرتهن في الرهن التجاري مع التخلي عن الحيازة [14]، ونشير في هذا الإطار إلى ما يلي:
1- حق التتبع
يترتب على إنشاء رهن أدوات ومعدات التجهيز، أن الدائن المرتهن الذي عمل على تقييد رهنه في السجل الخاص المعد لذلك، له الحق في تتبع هذه الأدوات والمعدات تحت يد من انتقلت إليه، خصوصا أن الغاية من إخضاع هذا النوع من الرهن هوحماية حقوق الدائن في مواجهة الأغيار.
وهذا الحق مقرر للدائن المرتهن رغم القاعدة المعروفة والقائلة بأن الحيازة في المنقول سند الملكية[15].
2- حق الامتياز
يتمتع الدائن المرتهن في رهن أدوات ومعدات التجهيز بحق الامتياز، ومضمونه هوأن المخول له هذا الحق له استيفاء دينه بالأفضلية على مجموعة من الحقوق المثقلة لأدوات ومعدات التجهيز، غير أن إثبات الامتياز كما جاءت به الفقرة الأولى من المادة 357 من مدونة التجارة يتحدد بمجرد التقييد في سجل خاص تمسكه كتابة ضبط المحكمة التي تستغل فيه الأدوات والتجهيزات محل الرهن.
وقد حدد المشرع المغربي بعض الاستثناءات التي لا يمكن تطبيق حق الامتياز تجاهها، في الفقرة الأولى من المادة 365 من مدونة التجارة، من قبيل:
-امتياز المصاريف القضائية؛
-امتياز مصاريف المحافظة على الشيء؛
-الامتياز الممنوح للمأجورين[16].
ويمارس حق الامتياز تجاه كل دائن صاحب رهن رسمي وعلى امتياز الخزينة، وامتياز الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وصناديق القرض الفلاحي وامتياز الدائن المرتهن على الأصل التجاري إن كانت أدوات ومعدات التجهيز من العناصر المادية لهذا الأصل [17]، غير أن هذا الامتياز لا يقوم تجاه الدائن المرتهن رهنا رسميا وبائع الأصل التجاري والدائن المرتهن على مجموع الأصل، إلا وفق إجراءات معينة وفي أجل محدد حسب ما جاء في الفقرة الثالثة من المادة 365 من مدونة التجارة[18].
وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن حق الامتياز المخول للدائن المرتهن يستمر ولوتم تخصيص هذه الأدوات والتجهيزات لخدمة عقار معين [19].
الفقرة الثانية: آثار رهن بعض المنتوجات والمواد
يعتبر رهن بعض المنتوجات والمواد الصورة الثانية من الرهن التجاري دون التخلي عن الحيازة، وقد نظمه المشرع المغربي في المواد من 378 إلى 392 من مدونة التجارة، ويتميز هوكذلك بغياب عنصر انتقال الحيازة إلى الدائن المرتهن، حيث تبقى المواد تحت يد المدين الراهن، ويقوم هذا الرهن على أساس تمويل المشاريع التجارية بوسائل الإنتاج من دون أن تتعطل العملية الإنتاجية [20]، إلى جانب فتدخل الدولة في هذا الرهن واضح، حيث أن محله لا يمكن أن يخرج عن تلك المنتوجات والمواد التي تحدد بقائمة تضعها الإدارة، هذه الخصوصيات وغيرها تؤثر في الآثار القانونية المترتبة عن هذا الرهن، وسنشير إلى هذه الآثار من خلال نقطتين كالأتي:
أولا: التزامات المدين
لا تختلف كثيرا التزامات المدين في رهن بعض المنتوجات والمواد عن تلك الناتجة عن رهن أدوات ومعدات التجهيز، باعتبار أنهما يتأسسان على نفس الفكرة، وهي على النحوالآتي:
1-حراسة المنتوجات والمواد محل الرهن
إن بقاء المنتوجات والمواد محل هذا النوع من الرهن بين يدي المدين الراهن، يجعله حارسا لها [21]، غير أنه لا يلزم بفصل المنتوجات والمواد ماديا عن المنتوجات والمواد الأخرى التي تدخل في ملكيته [22].
2-الالتزام بالمحافظة على المنتوجات والمواد
كما هو الشأن بالنسبة للمدين الراهن في رهن أدوات ومعدات التجهيز، يلتزم المدين الراهن في رهن المنتوجات والمواد بالمحافظة على هذه الأخيرة، بحكم بقاء حيازتها بين يديه، وعليه صيانتها والمحافظة عليها، وكل تقصير من جهته أواختلاس يرتب عليه الجزاء المدني، بالإضافة إلى الجزاء الجنائي الذي نص عليه المشرع صراحة بخصوص الإخلال بهذا الالتزام، حيث جاء في المادة 389 من مدونة التجارة، ما يلي:
«يعاقب بالحبس لمدة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين وبغرامة من 2.000 درهم إلى 10.000 درهم كل مفترض أدلى بتصريح كاذب أورهن سلعا كان قد وقع رهنها من قبل دون سابق إشعار للمقرض الجديد بذلك أواختلس أوبدد أوأتلف الرهن عمدا إضرارا بالدائن».
ثانيا: حقوق الدائن المرتهن
بعد أن تناولنا في النقطة السابقة سنعمل في هذه النقطة على البحث في حقوق الدائن المرتهن، على النحوالأتي:
1-الحق في معاينة المنتوجات موضوع الرهن
يحق للدائن المرتهن معاينة حالة المنتوجات والمواد موضوع الرهن في أي وقت شاء، عن طريق وكيل قضائي يعينه رئيس المحكمة التي يوجد بدائرة نفوذها مكان حفظ المنتوجات والمواد.
 وإذا ما نتج عن المعاينة وجود نقص في البضاعة جاز للدائن المرتهن، رفع دعواه أمام رئيس المحكمة المذكورة [23].
2- الحق في المطالبة قضائيا ببيع المنتوجات المرهونة
إن حلول أجل استحقاق الدين، وعدم وفاء المدين الراهن به داخل أجل عشرة أيام من هذا التاريخ، يجعل الحق للدائن المرتهن في المطالبة قضائيا ببيع المنتوجات والمواد قصد استيفاء دينه [24]، ويتم البيع بالمزاد العلني وفق مقتضيات قانون المسطرة المدنية بهذا الخصوص.


[1]- تنص المادة 366 من مدونة التجارة:
«الرهن نوعان، رهن يفترض معه تخلي المدين عن الحيازة و رهن لا يفترض فيه ذلك».

[2] العربي المحمدي، محاولة في قراءة أطروحة الباحث الحبيب خليفة جبودة في موضوع "رهن المنقولات دون نقل الحيازة"، مقال منشور على الإنترنيت في الموقع التالي:
www.droitcivil.over-blog.com، بتاريخ 15 دجنبر 2010..
[3]- مشار إليه لدى:
العربي المحمدي، المرجع السابق.
[4]- عبد الرحيم بحار، الإجراءات التحفظية في مادة العقود التجارية، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية سلسلة الدراسات و الابحات، العدد 8 فبراير 2009، ص 159.
[5]- نفس المرجع المشار إليه في الهامش السابق، ص 159.
[6]- نفس المرجع المذكور في الهامش السابق، نفس الصفحة.
[7]- ظهير 17 يوليو 1936 بشأن ضبط بيع السيارات.
[8]- ظهير 31 مارس 1919 بمثابة قانون الملاحة التجارية و كذا المراكب المخصصة للملاحة النهرية.
[9]- المرسوم رقم 2.61.161 الصادر بتاريخ 10 يوليو 1962 بشأن تنظيم الطيران المدني.
 [10]- المادة 377 من مدونة التجارة.
تناول أحد الباحثين هذه المادة في سياق حديثه عن ضعف الحق العيني في رهن أدوات و معدات التجهيز، بقوله أن المشرع المغربي حسنا فعل حين استعان بالقواعد الجنائية في تقرير الحماية القانونية لحق الدائن المرتهن.
العربي محمدي، مرجع سابق.
[11]- عز الدين بنستي، دراسة في القانون التجاري المغربي دراسة مقارنة على ضوء المستجدات التشريعية الراهنة بالمغرب، الجزء الأول النظرية العامة للتجارة و التجار الطبعة الثانية 2001، ص 210.
 [12]- الفقرة الخامسة من المادة 356 من مدونة التجارة.
[13]- المادة 366 من مدونة التجارة.
[14]- جاء في هذا المضمار:
«فالحبس الذي يميز الرهن الحيازي لا يمكن تصوره في رهن المنقولات دون نقل حيازتها»
العربي المحمدي، المرجع السابق.
[15]- عز الدين بنستي، المرجع السابق. ص 214.
[16]بمقتضى الفقرة الرابعة من الفصل 1248 من الظهير الشريف المتعلق بالالتزامات و العقود.
[17]- المادة 365 من مدونة التجارة.
[18]- تنص الفقرة الثالثة من المادة 365 من مدونة التجارة على أنه:
«...غير أنه يجب على المنتفع من الرهن ليتمكن من الاحتجاج به تجاه كل من الدائن المرتهن رهنا رسميا و بائع الأصل التجاري و الدائن المرتهن على مجموع الأصل المذكور الذين سبق تقييدهم أن يبلغ لهؤلاء الدائنين وفق مقتضيات قانون المسطرة المدنية نسخة من المحرر المنشأ للرهن. و يجب إنجاز هذا التبليغ، تحت طائلة البطلان، خلال الشهرين المواليين لإبرام الرهن».
[19]- جاء في الفقرة الأولى من المادة 364 من مدونة التجارة:
«يستمر امتياز الدائن إذا صار المال المثقل عقارا بالتخصيص».
[20]- العربي المحمدي، المرجع السابق.
[21]- الفقرة الثانية من المادة 378 من مدونة التجارة.
[22]- الفقرة الثالثة من المادة 378 من مدونة التجارة.
[23]- المادة 390 من مدونة التجارة.
[24]- المادة 386 من مدونة التجارة.